كان الحسن البصري رحمه الله تعالى جالساً في الحلقة في المسجد، فجاءه إنسان يسأله فقال: إن الناس قد اختلفوا؛ فما تقول في مرتكب الكبيرة؟ وكان الخلاف قد اشتد بين الخوارج وبين أهل السنة وبين المرجئة، فـالخوارج يقولون: هو كافر، وأهل السنة مذهبهم في مرتكب الكبيرة أنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فهو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وأما المرجئة فيقولون: هو مؤمن، ويعنون كامل الإيمان، فلما قيل ذلك للحسن وفي حلقته هذان الرجلان: واصل وعمرو، قال الحسن رحمه الله: لا أراه مؤمناً ولا أراه كافراً وإنما هو منافق، أي: أنه أخذ المسألة من الجانب التربوي لا كما يظن البعض أنه جاء بقول جديد، وخرج عن معتقد أهل السنة، إنما أخذها من الجانب التربوي، فهو رجل واعظ، يعلم الناس ويعظهم؛ فيقول: كيف نقول أن مرتكب الكبيرة مؤمن وهو يرتكب الكبائر؟! وكيف نقول أنه كافر وهو لم يخرج من الملة؟!
إذاً: هذا منافق؛ لأن المنافق هو الذي يقول ما لا يفعل، هو الذي يخلف إذا وعد، وهذا الرجل أخلف ونقض عهده مع ربه، يقول بلسانه: أنا مؤمن ويذهب يشرب الخمر.. هذا ما أورده الحسن رحمه الله.. لكن الله سبحانه وتعالى -بحكمته- أراد أن تفتن هذه الكلمة قلبين مريضين كانا يجلسان في الحلقة، وهما: واصل وعمرو، فبادرا بالجواب، وقالا للرجل: هذا ليس بكافر ولا بمؤمن، فقال السائل: فكيف إذاً؟! قالا: في منزلة بين المنزلتين؛ فهو في منزلة ليست هي منزلة الكفر ولا منزلة الإيمان، فلا نقول: خرج من الملة بالكلية، ولا نقول: دخل في الكفر، ولكنه في منزلة بين منزلتين.
والمنزلة التي ذكراها لا وجود لها ولا حقيقة، فابتدعا هذه البدعة، واعتزلا مجلس الحسن البصري إلى سارية من السواري، وأخذا يشرحان هذا الكلام للناس، حتى قال الحسن : اعتزلنا واصل، فسموا معتزلة .
ثم أخذ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد يؤسسان دينهما على ما تعلماه من علوم الفلاسفة .